عبثاً حاولتُ حبسَ الكلمات، أهربُ منها كلَّ ليلة، كلَّ ساعة، كلَّ لحظة. كلما مرَّ بي طيفُه وخيالُه، أغرقُ في بحر من الدموع التي أحاول تجفيفها قبل أن تخرج…

كسرتُ أقلامي ومَزَّقتُ أوراقي؛ هرباً من تلك الكلمات، ولكني لم أستطع حبسَ أنفاسٍ أبَتْ إلا أن تبوح؛ لِتُسطرَ على جدار القلب سيلاً من العبارات والمشاعر. هي أصدق من كلمات مُتَمِّم، وأبلغُ من مراثي الخنساء. لم تُكتب في ديوان، ولم يُسَطِّرها من قبلُ بنان.

والدي الحبيب:

ما كنتُ أظن أنَّ طعمَ حنظلِ الفراق مُرٌّ إلى هذا الحد إلا يوم رحيلك إلى الدار الآخرة.

والدي الحبيب:

لم أرْتَوِ بعدُ من نبعِ حنانِك الصافي. ولم أكملْ بعدُ الجَرْيَ في ربوع قلبك الحنون؛ فلا زلتُ طفلاً يحتاج إلى أبيه. 

والدي الحبيب:

في كل زاويةٍ من زوايا روحي لك طَلَلٌ سأظلُّ أبكي عنده كلَّ لحظة وكلَّ حين. 

والدي الحبيب:

مصحفُك وحمَّالتُه، وكرسيُّك وكُتيِّبُ أذكارِك رسومٌ لن تندرسَ من ذاكرة قلبي. 

والدي الحبيب:

صوتُ خطواتك قبيلَ الفجر قادماً نحو المسجد سيظل يطرقُ سمعَ قلبي كلَّ سَحَر. 

والدي الحبيب:

سيظل همسُ حروفِك بسورة المُلك على فراش الموت محفوراً في ذاكرة سمعي وقلبي. 

والدي الحبيب:

أعتذر منك إن كان الماء الذي غسلتك به حاراً فقد امتزجَ بدموعٍ باتتْ تتقلبُ على جَمْرِ الفراق ولم أستطع إطفاءَها.

والدي الحبيب:

رحلتَ مُخَلِّفاً وراءك سُنَّةً نَصرتَها وأحييتها حيًّا وميِّتًا. رحلتَ تاركاً وراءَك ذكراً عَطراً، ودموعاً صدرتْ من قلوب تفطرتْ حزناً على فراقك. 

والدي الحبيب:

رحلتَ عن دنيا الأكدار والأحزان بعد رحلة قصيرة مع مرض أتعب أنفاساً لم تعرف إلا الحمد والثناء على الله إلى لحظاتها الأخيرة. 

والدي الحبيب: 

رحلتَ بعد أن كان آخرُ عهدك بهذه الدنيا صلاةَ العشاء ثم خلوتَ بنفسك سويعات وبعدها غادرتَ بصمتٍ وسكينة، ودون وداع. 

والدي الحبيب: كنتَ في حياتك خفيفًا، تمرُّ كالطيف، لا تؤذي أحداً، ولا تثقل على أحد؛ عزيزَ النفس. وهكذا كان رحيلك.

والدي الحبيب:

كنتُ ولا زلتُ أتمنى أن يكون ما جرى حلماً مزعجا وسينتهي عما قريب وأدعو الله أن أستفيقَ منه بسرعة. 

والدي الحبيب:

إلى جنات الخلد والنعيم المقيم. ونرجو الله أن يجمعنا بك مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقاً.


Scroll to Top