“قلاعُهم مُحَصَّنَة، وثغورُهم مَنِيعَة. كيف السبيل إليها؟. ثمة ثغرٌ هو بوابةُ الضعف، ومفتاحُ النصر. أجلِبوا عليه بخيلكم ورَجْلِكم. دونَكم إياه، لا يَفُوتَنَّكم. ما دام قويًّا فلن تصلوا إليهم. ثغرٌ سيوصلكم إلى كل الثغور. حصنٌ إذا سقط في أيديكم فأبشروا بسقوط مجدهم، وأفول نجمهم”.

كلماتٌ تَرَدَّدتْ في أرْوِقَة عقولهم، وزوايا فِكرهم. كانت حُلمًا بعيد المنال، وضَربًا من الخيال.

“فَلْنَنْسِجْ خيوطَ مؤامرتِنا، فالفرصةُ سانحة، وطيرُهم بارحة”.

“أمةٌ تَستمد قوَّتها من الوحي الكريم، ومن هَدْيِه القَويم. أنَّى لكم أن تطمسوه؟! فدونه خَرْطُ القتاد. هو حصنُها الحصين وركنها الركين. ما دامت متمسكة به. ولا سبيل إلى إقصائه. الثغرَ الثغرَ؛ أسقطوه. فإنْ سقطَ فلا حاجة إلى إسقاط حصنها الحصين، وقرآنِهم الكريم. سيصير ترانيمَ تُقرأ، وتراتيلَ تُسمع، ولا قلبَ يَتَّعِظ، ولا لسانَ يَنزَجِر، ولا جوارحَ تَرْعَوِي. فقد قطعتم المدد عن قلوبهم. ستمرُّ بهم آيات الجحيم وآيات النعيم على حد سواء. لن يخافوا من “سَقَر”، ولن ترهبَهم “لظى”. لن يشتاقوا إلى النعيم، ولن يَتقوا الحميم. كل هذا سيتحول إلى طلاسم، تَجْثُم على أسماعهم، دون ثمرة. سَتَضِل الأفهام، وسَتَزِل الأقدام. وسيخبطون خَبْطَ عشواء، وستصبح أفئدتهم هواء”.

أرعبتني كلماتهم، واستفزتني عباراتهم. سافرتُ بفكري أفتشُ بين حصون أمتنا المجيدة عن ذلكم الحِصن، وعن ذاك الثغر. تأملتُ طويلًا وفكرتُ مليًّا. قلاعُنا مستهدفة، وحصونُنا تحاول عبثًا صدَّ شظايا الفتن. فأيُّ ثغرٍ هذا  الذي هو سبيل إلى أعظم الثغور؟!.

قرأتُ سيرَ “المستشرقين”، أو “طلائعَ المدَمِّرين”، قَلَّبْتُ صفحاتِ أفكارهم. قرأتُ سطور أجندتهم الخفية في طرح أذنابهم مطلعَ القرن المنصرم. هالني حجمُ تلك الحملة على لغتنا الجميلة، عشتُ مع أباطيل “شاكر” وأسماره الليالي ذوات العدد. لمَ هذا الإقصاء؟! ألهذا الحد  أقَضَّتْ سلامةُ مخارجِ أصواتها مضاجعَكم، وأقلقَ جرسُ إعرابها مسامعَكم، وأَتْعَبَتْ دِقَّةُ صَرْفِها عقولَكم، وحيَّرتْ عوالمُ دلالتِها أفهامَكم؟!.

استوقفتني تلكم اللغة التي يُقرأ بها الكتاب المقدس في بِيَعِهم وكنائسهم. للحظة أدركتُ أنَّ الأمر دبِّر بليل. لِمَ هذه اللغة التي لا  يفهما أحد منهم؟! قلت في نفسي: أرادوا قطع صلة الناس بكتابهم على ما فيه من تحريف. فماذا هم صانعون بلغة كتابنا العظيم؟!.

لغتنا العربية وعاءُ الوحي، ووسيلةُ فهمِه. لغة الشرع ولسان الخطاب، ونور الألباب. قوتُها استمرارٌ للصلة القوية بيننا وبين الوحي. وضعفُها ضعفٌ لعلاقتنا وتَعَلُّقِنا بالوحي.

حافظوا على مَنَعَةِ هذا الحصن وقوته. حَصِّنوه، رَمَّموه، تعاهدوه. وإياكم أن تهجروه، فيصيرَ خرابًا، يَعبَثُ به كلُّ ناعق، ويدخلُه كلُّ طارق. حتى لا تستفيق الأمة على جيل، لا يحسن قراءة النور المبين، ويَسْتَعْجِم عليه فَهْمُ سبيلِه المستقيم، ويسقط عند أغاليط خصومِ سُنِّة سيد المرسلين صلى الله عليه وسلم. يَسمع كلامًا لا يفهمُه. لا يُحَرِّكُه نحو الجنان، ولا يُحَذِّرُه من النيران. والله المستعان.

Scroll to Top